هل السباق نحو الفضاء هدر للموارد دون جدوى؟ التاريخ يقول عكس ذلك!

مع الرحلتين الأخيرتين لكل من ريتشارد برانسون وجيف بيزوس إلى الفضاء، عاد واحد من أهم الجدالات ليعود إلى الواجهة. هل السفر إلى الفضاء مضيعة للوقت وهدر للمال والموارد؟ وهل كان السباق الشهير إلى الفضاء مجرد مسابقة بلا فائدة وكان الأفضل ربما هو التركيز على سواه؟

 

يجادل الكثيرون بأن هناك أولويات من الخاطئ تجاوزها، حيث يكلف صنع صاروخ واحد من طراز Falcon Heavy مثلاً حوالي 90 مليون دولار. ووفق تقديرات الجمعيات الخيرية، يمكن لهذا المبلغ أن يطعم مئات آلاف الأطفال الجياع في أفريقيا لعام كامل. وبالنظر إلى أن رحلتي بيزوس وبرانسون كانتا سياحيتين فحسب دون أي غاية أخرى، يبدو الأمر محسوماً لصالح الأمر. حيث هناك الكثير لفعله والعديد من الأمور التي يمكن استكشافها وتطويرها على الأرض.

 

بالمقابل هناك حجج قوية في الواقع من الجهة المقابلة: نحن لا نعرف ما لا نعرفه. ومع أن الفوائد المرجوة من سباق الفضاء قد لا تكون واضحة لنا اليوم، فهي قد تأتي لاحقاً دون توقع. وأسهل طريقة لتأكيد ذلك هي النظر إلى السباق الأصلي للفضاء في منصف القرن العشرين. لذا سنستعرض هنا بعضاً من أهم الأمور التي نستخدمها في حياتنا وقد وجدت بسبب أبحاث السفر إلى الفضاء:

 

كاميرات الهواتف

 

خلال التسعينيات تم تكليف فريق بحثي بمهمة تصميم حساسات كاميرات عالية الجودة لكنها صغيرة الحجم. وكانت الغاية من الأمر هي وضع الكاميرات الرقمية ذات الجودة العالية ضمن المسابير الفضائية. ونظراً لمحدودية المساحة والطاقة فقد كانت تلك أولويات مهمة.

 

قادت الأبحاث حينها إلى إنجازات هامة في مجال التصوير. وتعتمد حوالي ثلث كاميرات الهواتف اليوم على التقنيات التي تم تطويرها أصلاً لوضع الكاميرات بشكل أفضل في المركبات الفضائية.

 

العدسات المقاومة للخدش

 

هل السباق نحو الفضاء هدر للموارد دون جدوى؟ التاريخ يقول عكس ذلك!

 

بدأت الأبحاث عن صنع الزجاج والمواد الأخرى المقاومة للخدش منذ بداية السباق إلى الفضاء. حيث كان من المهم صنع غلاف مقاوم للخدش لخوذ رواد الفضاء. وتم تطوير عدة مواد ممكنة ليتم استخدامها بشكل موسع لاحقاً لحماية العدسات المختلفة. حيث تعتمد العديد من عدسات الكاميرات والنظارات المختلفة على مواد طورت أصلاً لمقاومة الخدش في الفضاء.

 

الأحذية الرياضية الحديثة

 

بدأ الابتكار من مادة مطاطية ممتصة للصدمات ومصممة بحيث يتم استخدامها في خوذ رواد الفضاء للحد من احتمال الإصابة. ومع نجاح المادة المطاطية لتلك الغاية، تم استخدامها في عدة أمور أخرى لعل أكثرها انتشاراً اليوم هو الأحذية الرياضية. حيث تستخدم العديد من الأحذية الرياضية عالية الجودة نفس المادة المطاطية اليوم لتخفيف الصدمات وجعل الحركة أسهل وأفضل.

الأغطية العاكسة للمناخ القاسي

 

هل السباق نحو الفضاء هدر للموارد دون جدوى؟ التاريخ يقول عكس ذلك!

 

مواضيع مشابهة

تصنع هذه الأغطية من ألياف خاصة عادة وتعزل الحرارة بشكل فعال جداً. وتمتلك بعضها وجهين مختلفين: واحد عاكس والآخر لا. ومع أنها لا تزن سوى بضع جرامات فقط، فهي فعالة بشكل استثنائي للتعامل مع الظروف القاسية. حيث يحمي وضع الجهة العاكسة للخارج من الحرارة المحيطة وبالأخص في الصحاري وتحت ضوء الشمس. وبمجرد عكس الغطاء ينعكس دوره بحيث يحفظ الحرارة داخله ويحمي من البرودة المحيطة. ومع أن هذه الأغطية قد طورت للفضاء أصلاً. فهي مفيدة بشدة وبالأخص في حالات المناخ القاسي وضمن جهود الإنقاذ التالية للكوارث.

 

موازين الحرارة السريعة

 

حتى الآن لا تزال العديد من موازين الحرارة تستخدم الزئبق وتحتاج لوضعها لدقائق عدة ومن السهل أن تنقل الكثير من الميكروبات. لكن هناك موازين حرارة أحدث تعتمد على الضوء بالدرجة الأولى وتعطي قراءة سريعة وعالية الدقة. وتتضمن الأمثلة تلك التي توضع في الأذن أو حتى المستخدمة مؤخراً للتأكد من سلامة المارين عند البوابات من كوفيد-19. وبالعودة إلى أصل استخدام هذه التقنية فقد كان الأبحاث الساعية لتقدير حرارة الكواكب والنجوم البعيدة في الفضاء.

 

العزل المنزلي عالي الجودة

 

نظراً للطبيعة القاسية لتقلبات الحرارة في الفضاء فقد طورت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مادة فائقة الأداء من حيث العزل. حيث تم استخدام بوليسترات الألمنيوم لهذه الغاية وقدمت أداءً ممتازاً. واليوم تعد هذه المادة من الأكثر انتشاراً وفعالية في عزل المنازل والأماكن السكنية.

 


مواضيع قد تهمك:


 

فراش الرغوة المرنة

 

هل السباق نحو الفضاء هدر للموارد دون جدوى؟ التاريخ يقول عكس ذلك!

 

يعرف أي مستخدم لفراش أو وسائد الرغوة المرنة كم هي مريحة كونها تأخذ شكل الجسم تماماً وتقدم دعماً مثالياً وبالتالي راحة عالية. لكن لم يتم تطوير هذه التقنية من شركة مفروشات مثلاً، بل كان المسؤول عنها هو وكال الفضاء الأمريكية. حيث كانت الغاية الأصلية للرغوة المرنة هي استخدامها في مقاعد مركبات الفضاء المنطلقة من الأرض. حيث يجب أن تكون المقاعد متناسبة مع شكل جسم رواد الفضاء لتجنب الإصابة والضرر. وكان الخيار إما صنع مقاعد مخصص لكل رائد فضاء على حدة، أو ابتكار مادة تجعل المقعد مناسباً للجميع.

 

الحليب الصناعي للأطفال

 

نتعامل اليوم مع وجود حليب أطفال قابل للحل بالماء وتقديم مختلف المواد المغذية كأمر معتاد ومتوقع منذ زمن. لكن أتى هذا الابتكار أصلاً بسبب السباق نحو الفضاء في الواقع. حيث بحثت وكالات الفضاء عن طرق لجعل طعام رواد الفضاء مغذياً أكثر بإضافة مزيج مخص من المواد. ولاحقاً تم استخدام نفس الطريقة لدعم حليب الأطفال بالمواد الضرورية لنموهم بشكل صحي.

شارك المحتوى |
close icon