هل الطائرات الكهربائية التجارية ممكنة حقاً؟

عبر العقود الأخيرة كان هناك اتجاه واضح لتحويل وسائط النقل إلى استخدام الطاقة الكهربائية قدر الإمكان، وبالنتيجة لدينا اليوم سيارات كهربائية تباع تجارياً بالإضافة إلى القطارات الموجودة مسبقاً، كما أن الشاحنات الكهربائية تبدو قريبة للغاية. ومع أننا بدأنا برؤية نماذج اختبارية لطائرات كهربائية في السنوات الأخيرة، فجميع هذه النماذج هي طائرات صغيرة للغاية ولا تحمل سوى الطيار دون أمتعة حتى، بينما الطائرات الكهربائية التجارية تبدو أقرب للخيال كونها فكرة بعيدة جداً عن إمكانياتنا الحالية.

 

من حيث المبدأ هناك العديد من الفوائد التي من الممكن تحقيقها في حال انتقلنا إلى استخدام طائرات كهربائية للنقل التجاري، فهي صديقة للبيئة أكثر كونها لا تطلق غازات الاحتراق، كما أنها أسهل للصيانة وأقل تكلفة للتشغيل من حيث المبدأ. لكن وعلى الرغم من هذه الأمور المغرية، فالأرجح أننا لن نشاهد الطائرات الكهربائية تستبدل الطائرات النفاثة الحالية في أي وقت قريب، بل من الممكن ألا تكون قادرة على استبدالها إطلاقاً حتى.

 

في الواقع لا يزال قطاع الطائرات الكهربائية بعيداً للغاية عن أن يصبح فعالاً حقاً كخيار تجاري، والسبب الأساسي ربما هو أن البطاريات التي نمتلكها اليوم لا تستطيع تقديم ما نريده، ولنصل إلى طائرات كهربائية تجارية فنحن نحتاج تطوراً جذرياً في تقنية البطاريات.

 

بالطبع وفي حال كنت تتابع الأخبار التقنية فالأرجح أنك قد شاهدت أخباراً عن اختبار طائرات كهربائية، وربما شاهدت فيديوهات لإقلاعها وهبوطها. لكن ما ينفع لهذه الطائرات الصغيرة لا ينفع لتلك التجارية العملاقة، وأسباب ذلك عديدة وربما تغير منظورك لفكرة الطائرات الكهربائية أصلاً.

 

مشكلة كثافة الطاقة

 

يعبر مصطلح كثافة الطاقة عن كمية الطاقة التي يمكن الحصول عليها من وزن محدد من الوقود، وتعد هذه القيمة واحدة من أهم القيم التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن الطيران.

 

لفهم الأمر بشكل أفضل، فهذه قيم كثافة الطاقة لبعض أنواع الوقود المختلفة مقاسة بواحدة ميجا جول\كيلوجرام:

 

  • الخشب: حتى 21MJ/KG.
  • الفحم: حتى 33.5MJ/KG.
  • النفط الخام: حتى 41.8MJ/KG.
  • الجازولين: حتى 48MJ/KG.

 

للمقارنة، فأفضل بطاريات نمتلكها اليوم هي بطاريات الليثيوم. لكن كثافة الطاقة في بطاريات الليثيوم منخفضة للغاية وأقل بمراحل من الخشب حتى، حيث أن الكثافة في بطاريات الليثيوم الأفضل اليوم لا تتجاوز 0.9 ميجا جول\كيلوجرام.

 

ومع كون أي طائرة أو وسيلة نقل أخرى تحتاج للطاقة لتعمل، فالأمر مشكلة كبرى عند الانتقال لاستخدام البطاريات، حيث تحتاج المركبة لحمل أضعاف ما تحمله عادة من الوقود، وحتى حينها سيكون مداها أقصر بكثير بسبب الفرق الهائل في كثافة الطاقة.

 

اقرأ أيضاً: مزرعة بطاريات إيلون ماسك توفّر على أستراليا عشرات الملايين من الدولارات

 

مشكلة وزن الطائرة

 

airplane engines

إن كنت مهتماً بمجال الطيران فالأرجح أنك سمعت أن الطائرات تقوم بالتزود بالوقود بشكل جزئي مع كل رحلة، فهي تملأ الحد الأدنى من الوقود اللازم للرحلة بالإضافة للقليل من الاحتياطي تحسباً للحالات الطارئة. وبالطبع هذا الأمر ليس عبثاً، بل أنه مصمم لتقليل المصاريف قدر الإمكان.

 

في الطائرات التجارية اليوم، عادة ما يشغل الوقود حوالي 20% من وزن الطائرة الكلي، وعلى طول مسار الطائرة فهي تفقد وزن الوقود المحترق وتصرف كمية أقل وأقل تدريجياً. وهذا ما يشكل تحدياً هائلاً لأي طائرة تعمل بالبطارية.

 

في النماذج الحالية من الطائرات الكهربائية، تشغل البطاريات أكثر من 80% من وزن الطائرة، وبالنتيجة تكون هذه الطائرات ثقيلة جداً ولا تتسع للحمولة حقاً، كما أنها لا تخسر أي وزن خلال الرحلة لأنها تستمر بحمل بطارياتها طوال الوقت، مما يعني أنها تمتلك مدى أصغر بكثير بالنتيجة.

 

في الواقع هذا الأمر معروف في مجال السيارات مثلاً. وللمقارنة يمكن النظر إلى سيارة Tesla Model S الرياضية التي تحمل بإصدارها الأخف 540 كيلوجراماً من البطاريات، وتكفيها هذه البطاريات لقطع 400 كيلومتر فقط قبل نفاذها، لكن بالمقابل تحتاج سيارة Porsche 911 Turbo S إلى 44 ليتر من البنزين بوزن 31 كيلوجراماً لقطع نفس المسافة.

 

مواضيع مشابهة

بالنسبة للسيارات هناك أهمية للوزن بالطبع لكن يمكن التغاضي عنها في حالة السيارات الكهربائية، ما أن رحلات السيارات قصيرة عادة أصلاً. لكن الطائرات أمر مختلف تماماً فهي لا تقبل التضحية بالمجال ولا الوزن، مما يجعل البطاريات الحالية خياراً غير عملي أبداً في الواقع.

 

مشكلة سرعة الطائرات الكهربائية

 

مشكلة سرعة الطائرات الكهربائية

عند التفكير بالطيران فمن السهل تذكر أنه أكثر راحة من السفر البري كما أنه أسرع بكثير بالطبع، حيث تحلق الطائرات التجارية اليوم بسرعة 900 كيلومتر بالساعة تقريباً، مما يجعلها أفضل من أي وسيلة نقل برية للرحلات المتوسطة والطويلة. لكن هذه السرعات تحتاج لمحركات نفاثة بالطبع.

 

مشكلة الطائرات الكهربائية أنها تحتاج للاعتماد على المراوح حصراً للطيران، فالمحركات النفاثة لا تعمل دون وقود. وبالنسبة للمراوح فهي بطيئة جداً مقارنة بالمحركات النفاثة، ويمكن ملاحظة ذلك من أن التصاميم المستقبلية حتى للطائرات الكهربائية تطمح لتحقيق سرعات حتى 450 كيلومتر بالساعة، وهي قيمة أصغر بوضوح من تلك الخاصة بالطائرات النفاثة.

 

مع السرعات المنخفضة نسبياً للطائرات الكهربائية، فهي عديمة الجدوى للرحلات القصيرة كون السيارة خيار أسرع من الذهاب للمطار وأوقات الانتظار وسواها، كما أن مداها القصير يجعلها عديمة الجدوى للرحلات المتوسطة والطويلة كذلك كونها لا تستطيع تحقيقها أصلاً.

 

اقرأ أيضاً: ما هي بطاريات الجرافين؟ ولماذا كل هذا الصخب حولها؟

 

مشكلة وقت التجهيز للرحلة التالية

 

بالنسبة لشركات الخطوط الجوية، عادة ما يتم استخدام الطائرات لتحقيق أكبر كم ممكن من نقل الركاب مع تقليص وقت التوقف قدر الإمكان. إذ أنه من المعتاد أن تهبط الطائرة وينزل ركابها، ومن ثم تقلع مجدداً مع ركاب جدد خلال أقل من نصف ساعة من الهبوط، وهذا الأمر متاح لأن تعبئة الوقود عملية سريعة جداً كما هو معروف.

 

بالمقابل فعملية شحن البطاريات بطيئة نسبياً، حيث تحتاج البطاريات لساعات عديدة ووقت طويل ليكتمل شحنها، وحتى مع شواحن عالية الأداء تقارب شاحن Tesla Supercharger سيكون من الصعب شحن بطاريات طائرة ركاب تحمل الأطنان من خلايا الليثيوم خلال وقت يسمح بسرعة الانتقال من رحلة إلى التالية.

 

قد يبدو هذا الأمر غير مهم ربما، لكن ومع أنه ليس عيباً هائلاً كما المشاكل السابقة، فهو مهم للغاية للخطوط الجوية التي تحاول تحقيق أقصى ربح ممكن من الطائرات التي تشتريها، وبالتالي ليس من المناسب لها طائرة تحتاج ساعات عدة لتشحن قبل كل رحلة وتقضي وقتاً وهي تشحن أكثر مما تقضيه في السماء.

 

كيف من الممكن أن تصبح الطائرات الكهربائية التجارية ممكنة مستقبلاً؟

 

الجواب الوحيد هنا هو اكتشاف عملاق يغير عالم البطاريات التي نعرفها بشكل كامل، فأي طائرة كهربائية تريد منافسة ما هو متاح اليوم تحتاج بطاريات ذات كثافة طاقة أعلى بعشرات الأضعاف، كما أنها ستحتاج إلى تقنيات شحن فائق السرعة يسمح بشحنها خلال دقائق فقط.

 

من حيث المبدأ ربما نحن قريبون جداً من اكتشاف البطاريات الفائقة التي ستجعل الطائرات الكهربائية التجارية ممكنة، لكن بنفس الوقت قد لا نجد أمراً كهذا أصلاً، وربما لا يمكن الوصول إلى مستويات كثافة الطاقة المطلوبة أبداً وعندها لن تصبح الطائرات الكهربائية التجارية واقعاً أبداً.

 

اليوم هناك مليارات الدولارات التي تصرف على الأبحاث والتطوير في مجال الطائرات الكهربائية، ومن الممكن أن نشهد نتيجة مفيدة في المستقبل ربما، لكن قد يكون الأمر مجرد مضيعة للمال والوقت والجهد إن كانت تقنيات البطاريات المطلوبة غير قابلة للتحقيق أصلاً.

 

عموماً وضمن العقود القريبة على الأقل لن نرى طائرات كهربائية تعمل ضمن الخطوط الجوية بدلاً من التقليدية، لكن إن وصلنا للتقنيات المطلوبة ربما نشاهد أمراً كهذا في المستقبل لكن البعيد.

شارك المحتوى |
close icon