لماذا فشلت فكرة الهواتف القابلة للترقية والتخصيص؟ وهل من الممكن أن تعود مستقبلاً؟

في حال نظرنا اليوم إلى أداتين تقنيتين هامتين للغاية: الهواتف الذكية والحواسب المكتبية، هناك أمر مثير للاهتمام عند المقارنة من حيث الترقية. حيث أن ترقية الهاتف الذكي تعني بالضرورة التخلص من الهاتف الحالي ككل (مع خسارة جزء كبير من سعره الأصلي) والحاجة لشراء هاتف جديد تماماً مع ميزات جديدة تتناسب مع حاجات المستخدم. لكن بالنسبة للحواسب المكتبية تبدو الأمور أسهل، حيث يمكن تغيير أجزاء فقط من الحاسوب مثل المعالج أو بطاقة الرسوميات أو الشاشة أو سواها.

 

نتيجة هذه المقارنة كان من الواضح أن هناك مشكلة حقيقية في تعاملنا مع ترقيات الهواتف الذكية اليوم، فشراء هاتف ذكي جديد من أجل ترقية الكاميرا فقط أو للحصول على بطارية أكبر أو معالج أفضل بقليل تبدو هدراً كبيراً للمال والموارد ومصدراً للتلوث والهدر التقني أيضاً عند الأخذ بعين الاعتبار كون دورات تحديث الهواتف الذكية قصيرة إلى حد بعيد عادة.

 

نتيجة الفرق الكبير بين الترقية في الحواسيب المكتبية والهواتف الذكية، أتت فكرة جريئة وغير معتادة لعدة شركات بالتزامن تقريباً: تصميم هاتف على شكل هيكل أساسي مع أجزاء قابلة للاستبدال والترقية عند الحاجة أو حتى تصميم الهاتف من الصفر عند الحاجة.

 

ما هي فكرة الهواتف القابلة للترقية؟

 

لماذا فشلت فكرة الهواتف القابلة للترقية والتخصيص؟ وهل من الممكن أن تعود مستقبلاً؟

 

من المعروف أن الهواتف الذكية عموماً مكونة من مجموعة من المكونات الأساسية، حيث هناك الكاميرا والشريحة الأساسية التي تتضمن المعالج والمودم، وذاكرة الوصول العشوائي ووحدة التخزين الداخلي والبطارية وسواها. هذا الأمر يجعل التركيبة الخاصة بالهواتف الذكية مشابهة إلى حد بعيد للحواسيب المكتبية مع اختلاف أساسي: مكونات الهواتف الذكية تلحم مباشرة على اللوحة الأم، فيما يمكن فصل مكونات الحواسيب وتركيبها بسهولة.

 

كانت واحدة من أبرز أفكار الهواتف الذكية القابلة للترقية هي ما يعرف باسم Project Ara الذي كان مشروعاً داخلياً ضمن شركة Google، حيث كانت الفكرة هنا هي إطلاق الهاتف على شكل هيكل أساسي فقط منخفض التكلفة يتضمن الشاشة وفي الجهة الخلفية أماكن مخصصة لوضع المكونات التي يختارها المستخدم كما يريد.

 

من حيث المبدأ كان من المفترض أن يصمم الهيكل الأساسي للهاتف على حدة، ومن ثم تصمم الأجزاء المختلفة مع مختلف القدرات والمستويات ليصمم المستخدم هاتفه كما يريد، حيث يستطيع التركيز على المعالج والبطارية مثلاً، أو على الكاميرا إن كان يحب التصوير، وعندما يحتاج الأمر إلى ترقية يكفي شراء جزء واحد فقط بدلاً من الحاجة لاستبدال الهاتف ككل.

 

بالطبع يفترض بمشروع كهذا أن يكون مثالياً لتقليل تكاليف الترقية إلى الحد الأدنى بالإضافة إلى تمديد عمر الهواتف الذكية بشكل كبير وتقليل النفايات الإلكترونية. لكن وبعد سنوات من التطوير والأبحاث فشل المشروع تماماً وهذا واضح من أن هذه الهواتف المزعومة لم تصدر أبداً مع أن بعض المشاريع التصميمية بدأت منذ عام 2013.

 

لماذا فشلت فكرة الهواتف القابلة للترقية بشكل كامل؟

 

عبر السنوات ظهرت العديد من التصاميم والأفكار المتعلقة بترقية الهواتف دون شك، ومشروع مثل Project Ara كان ضمن شركة كبرى مثل Google، لكن أياً من هذه التصاميم لم يتحول إلى نموذج أولي أو هاتف للإنتاج أصلاً.

 

بالطبع فوجود العديد من المشاريع المتشابهة دون نتيجة كان دليلاً قوياً على أن الفكرة ليست ناجحة، بل أنها غير قابلة للنجاح أصلاً ربما. والأسباب للفشل عديدة هنا لكن سنذكر بعضاً من أهمها:

 

مشكلة الحجم الكبير

 

في السنوات الأخيرة باتت الهواتف أصغر من أي وقت مضى بالنسبة إلى قياسات شاشاتها في الواقع، فمع أن شاشات بقياس أكبر من 6 إنش أمر معتاد جداً اليوم، فمن النادر أن تجد هاتفاً بسماكة تزيد عن 9 ميليمترات، والسبب بسيط هنا: المكونات ملحومة بشكل مباشر بحيث تشغل أصغر حجم ممكن على الإطلاق لتوفير الحجم. لكن مع مكونات قابلة للاستبدال سيكون أي هاتف مصمم أكبر بمراحل من الهواتف المعتادة وسيكون غير مقبول أبداً بمعايير اليوم.

 

مواضيع مشابهة

مشكلة المتانة

 

مع أن هواتف اليوم قد تبدو هشة للغاية للبعض، فهي في الواقع أقوى وأمتن بكثير مما مضى وحتى مقارنة مع هواتف نوكيا القديمة. لكن هذه المتانة ليست ناتجة من المواد المستخدمة فحسب، بل أن التصاميم الحديثة تجعل معظم عناصر الهاتف مساهمة في إبقاءه سليماً بنيوياً ومقاوماً للصدمات والضربات المختلفة.

 

المشكلة في هاتف مع أجزاء قابلة للاستبدال بسهولة هي أن جعله متيناً مهمة شبه مستحيلة، ومهما كان تصميمه قوياً سيكون أضعف بنيوياً من أية هواتف تقليدية تقارن به.

 

مشكلة التكلفة الكبيرة

 

مع أن فكرة صنع هاتف قابل للترقية في أي وقت تبدو مغرية من ناحية مالية في البداية، فالأمور تتغير بسرعة في الحياة العملية. حيث أن الهيكل وحده كان مصمماً ليكلف حوالي 100 دولار على الأقل مما يخرج هواتف الفئة الدنيا من الحسابات فوراً، وبالنسبة لتصنيع أجزاء من الهاتف فقط بدلاً من صنعه كجزء واحد ستكون تكاليف التصنيع أكبر دون شك وبالتالي ستكون الأجزاء أكبر تكلفة أيضاً.

 

من حيث المبدأ ستكون الهواتف القابلة للترقية أرخص بوضوح من عمليات الاستبدال الدورية، لكن المستخدمين لا يفكرون بالمدى البعيد عادة، وبدلاً من اختيار الهاتف الذي سيوفر المال على مدى 5 سنوات تالية مثلاً عادة ما يختارون الهاتف الأرخص الآن مقارنة بمواصفاته.

 

الشركات لا تريد مشروعاً كهذا أن ينجح

 

على الرغم من أن الهواتف الذكية عادة ما تكون قادرة على العمل لسنوات طويلة قبل أن يتم رميها أو التخلص منها، فالواقع هو أن الكثير من المستخدمين يقومون بتبديل هواتفهم بشكل دوري وبشكل سنوي حتى في بعض الحالات. وتمتلك دورات الترقية القصيرة هذه أهمية كبيرة بالنسبة لشركات الهواتف التي تعتمد بأرباحها على المبيعات بالدرجة الأولى.

 

إزالة الحاجة إلى الترقية المستمرة لا تبدو فكرة مفضلة حقاً للشركات، فهي قادرة على تحقيق أرباح أكبر بكثير عبر الاستمرار بضخ المزيد من الهواتف والموديلات الجديدة دون توقف بدلاً من أن تجعل المستخدمين يتمسكون بهواتفهم لسنوات عديدة مع ترقيات صغيرة وغير مكلفة حقاً.

 

التنوع الكبير في عالم الهواتف الذكية

 

لماذا فشلت فكرة الهواتف القابلة للترقية والتخصيص؟ وهل من الممكن أن تعود مستقبلاً؟

 

حتى بالنظر إلى شركة محدودة المنتجات اليوم مثل شركة Apple، فمن الواضح أن هناك العديد من القياسات المختلفة لهواتف أيفون والمصممة لتناسب مختلف التفضيلات. وبالنسبة لفكرة الهواتف القابلة للترقية سيكون الأمر كابوساً حقيقياً في الواقع، حيث ستكون كمية التنوع الموجودة كبيرة جداً.

 

حتى بالتعامل مع 4 أحجام أساسية فقط للهياكل، سيكون هناك 4 قياسات مختلفة للأجزاء التي يتم تركيبها على الهيكل، وبإضافة التنوع الموجود في مستوى الأداء وسواه سيكون هناك عشرات وربما مئات الخيارات المتاحة لأجزاء الهواتف القابلة للترقية، وبالتالي سيكون المستخدمون المعتادون أمام حيرة كبيرة من أمرهم وسيفضلون الهواتف المصممة والمبنية مسبقاً بدلاً من هذه الفكرة محدودة الفعالية.

 

بالمحصلة لعبت جميع هذه العوامل دورها في قتل فكرة الهواتف القابلة للترقية تماماً، حيث كان هناك العديد من التصاميم والعروض التقديمية المعنية بالأمر، لكن لم يتحول أي منها إلى واقع سوى بشكل جزئي في هواتف Fairphone والتي كانت أسهل للإصلاح من سواها دون شك، لكنها لم تكن قابلة للترقية بشكل حقيقي.

شارك المحتوى |
close icon