اليوان الرقمي: عملة الصين الإلكترونية التي ستدمج التقنية والمال تماماً

لعل اختراع المال هو واحد من أهم الأمور التي حصلت في التاريخ البشري وسمحت بتطور الحضارة إلى شكها الحالي، حيث سمح المال بالتجارة بشكل أسهل وأكثر مباشرة بدلاً من فكرة المقايضة السابقة. لكن وبينما كانت الطريقة التقليدية للتعامل مع المال جيدة كفاية طوال التاريخ البشري تقريباً، فقد بات من الواضح أن استخدام النقود الفيزيائية لم يعد فكرة عملية لعالم اليوم والمستقبل، لذا بدأت الاتجاه التدريجي والمتسارع للمال الرقمي بالدرجة الأولى.

 

اليوم هناك العديد من الخيارات للتعامل الرقمي مع الأموال، حيث يمكن استخدام حسابات البنوك عبر الإنترنت، أو اعتماد خدمات الدفع مثل PayPal أو خدمات الدفع المباشر المنتشرة مؤخراً مثل Apple Pay وSamsung Pay، وبالطبع هناك العملات الرقمية المشفرة. لكن ماذا عن خيار جديد يستبدل المال التقليدي بشكل كامل بدلاً من أن يكون مجرد وسيط له فقط؟ الجواب هنا قد يكون لدى الصين ومشروع “اليوان الرقمي” الذي تعمل عليه البلاد منذ سنوات الآن.

 

ما هو اليوان الرقمي؟

 

من حيث المبدأ، يفترض أن يكون اليوان الرقمي هو تجسيداً رقمياً للعملة الصينية. حيث أنه سيمتلك نفس قيمتها ويستخدم كمقابل لها في التعاملات التجارية مع فارق أساسي: بدلاً من الاستخدام بشكل يدوي سيكون قابلاً للنقل بشكل رقمي فقط دون أي تواجد حقيقي أو ملموس للعملة، بل أن المال الذي سيمتلكه الأفراد سيكون مجرد سجل في الواقع.

 

بالنسبة للمستخدمين، سيكون استخدام اليوان الرقمي مشابهاً جداً لاستخدام تطبيقات وخدمات الدفع المختلفة: تطبيق محفظة إلكترونية على الهاتف الذكي، وإمكانية توليد رمز QR لعرضه على الطرف الآخر من التعامل التجاري وإتمامه بالنتيجة. لذا لن يشعر المستخدمون الحاليون لتطبيقات الدفع في الصين بأي اختلاف، ومع الانتشار الهائل لتطبيقات مثل AliPay وWeChat Pay هناك، فلن يكون الانتقال مشكلة حقيقية للمستخدمين.

 

هل اليوان الرقمي “عملة رقمية” حقاً؟

 

اليوان الرقمي: عملة الصين الإلكترونية التي ستدمج التقنية والمال تماماً

 

يعتمد الأمر هنا على تعريف العملات الرقمية الذي تتبعه في الواقع. حيث أن اليوان الرقمي هو عملة تقليدية متجسدة بشكل رقمي فقط، أي أنها تتبع لمصرف مركزي وتجري كامل عملياتها وتحويلاتها عبر آلية مركزية وليس عبر شبكة موزعة كما هو الحال في العملات المشفرة، حيث أن اليوان الرقمي لا يستخدم تقنية بلوك تشين بل أنه أقرب إلى طريقة التعامل مع التحويلات المالية للبطاقات الائتمانية وتطبيقات الدفع.

 

نتيجة عدم استخدامه لتقنية بلوك تشين، فاليوان الرقمي ليس مشابهاً للعملات الرقمية مثل بيتكوين أو إيثيريوم أو ريبل أو سواها، لكنه سيكون أول عملة رقمية مركزية (صادرة من بنك مركزي) عندما يصبح متاحاً للتداول بشكل حقيقي، حيث أن الصين متقدمة بتجاربها في المجال لسنوات عدة على البلدان الأخرى.

 

مواضيع مشابهة

كيف يمكن أن يؤثر اليوان الرقمي والعملات المشابهة على العالم؟

 

اليوان الرقمي: عملة الصين الإلكترونية التي ستدمج التقنية والمال تماماً

 

من حيث المبدأ سيكون الدور الأساسي لاستخدام اليوان الرقمي هو توفير المزيد من الشفافية والوضوح لحركة الأموال وعمليات تبادلها بين مختلف الأطراف. ومع كون العملية تدار بشكل حكومي في الصين ستكون هذه المعلومات مركزية وقابلة للتتبع إلى حد بعيد، لكن الأمر هنا سلاح ذو حدين، حيث يمكن استخدام هذه الإمكانية الهائلة لتتبع مسيرة المال للعديد من الأغراض الجيدة أو السيئة في الواقع.

 

من الناحية الإيجابية من الممكن للتحول إلى اليوان الرقمي أن يساهم بفهم الاقتصاد وعمله وحركة العملة بشكل أفضل من أي وقت سبق، مما يعني منتجات تمويل أفضل من البنوك، وحلولاً أكثر فعالية للمشاكل الاقتصادية مثلاً. كما أن التحول سيجعل أموراً مثل الجريمة المنظمة والفساد وحتى تمويل الإرهاب أصعب بكثير للإخفاء، حيث أن البيانات وحركة الأموال متاحة دائماً ومن الممكن أن تكشف المتورطين.

 


مواضيع قد تهمك:


 

بالإضافة لما سبق، ستصبح أمور مثل غسيل الأموال والتهرب الضريبي صعبة للغاية في ظل الاستخدام الواسع لعملة مثل اليوان الرقمي، حيث ستبقى التعاملات التجارية والمصاريف المختلفة مسجلة وواضحة ومن الممكن تطبيق الضرائب عليها بشكل آلي وكامل.

 

لكن ومن الناحية الأخرى من الممكن لاستخدام تقنية كهذه أن تكون أداة قوية في الحد من الحريات الفردية في حال استخدمت من جهات سلطوية. حيث أن التعامل الإلكتروني الكامل يمنح المنصة المركزية قدرة غير مسبوقة على المراقبة والتحكم بحركة الأموال والقرارات الشخصية، وهو أمر قد يكون سيئاً في حال كانت الجهة المركزية المتحكمة تمتلك رغبات لا تتماشى مع الحريات الفردية مثلاً.

شارك المحتوى |
close icon