دور الذكاء الاصطناعي (AI) في إدارة الثروة

خلال وقت ليس ببعيد، سوف تشهد الكثير من الأشياء في صناعة إدارة الثروات تحوُّلًا وتغيُّرًا كبيرًا. فهناك ضغط متزايد على عمليات كسب العملاء والحفاظ عليهم، إلا أن هذا الأمر وفقًا للظروف ليس بالهين، بل إنه شيئًا فشيئًا يصبح أكثر صعوبةً؛ ويُعزى ذلك إلى أن الرقمنة في حد ذاتها لم تُعد أصلًا قيِّمًا قائمًا بذاته. ومن أجل الاستمرار في مضمار المنافسة والاستمرار في هذه الأوقات العصيبة، بات على المرء أن يستكشف طرقًا جديدة ليصبح رائدًا في التقدم والحداثة.

 

ولعل أحد مزايا عملية الرقمنة في وقتنا الحالي هي توفير الوقت والتكلفة إلى أقصى حد ممكن. وإنه لمن العدل والانصاف أن نفترض أن تعزيز هذه العملية سيوفر المزيد من المدخرات. إلا أن ذلك ينبغي أن يكون مدعومًا بعملية استثمار يجب تنفيذها حتى نتمكن من تحقيق النتيجة المرجوة. إذا كان العاملون في مجال إدارة الثروة يرغبون في النهوض بأعمالهم وشركاتهم بُغية تحقيق عوائد أعلى لعملائهم، فلا سبيل لهم إلى ذلك إلا من خلال استثمار قدر لا بأس به من الأموال في البداية. ولعل هذا هو الأمر الذي بسببه أحجم الكثير منهم وأصابهم التردد، ذلك أن هذه الأنواع من الاستثمارات من المُحتمل أن تقوِّض من مستويات الربح المرجوة – حيث لا يرى هؤلاء أي عائدات واضحة؛ ولذا فإنهم يرون الأمر رهانًا محفوفًا بالمخاطر ويعتبرونه مجازفةً غير ضرورية. لكن هل هو كذلك حقًّا؟

 

الأشكال المُتعددة للذكاء الاصطناعي

 

أدَّى دخول الذكاء الاصطناعي إلى القطاع المالي إلى إحداث تغيير هائل في طريقة تنفيذ الأعمال اليومية. فلا شك أنه وفَّر العديد من الطرق المريحة والسهلة أمام المتخصصين الذين يعملون بجدٍ، الأمر الذي مكَّنهم من أداء وظائفهم المهمة دون عوائق. ولما كانت صناعة الذكاء الاصطناعي من المجالات الدائمة التطوُّر يومًا بعد يوم، ظل الكثير منقسمين إلى فئتين إحداهما يحدوها الأمل والأخرى يلفها الخوف بأنه سيأتي ذلك اليوم الذي يحل فيه الذكاء الاصطناعي محل البشر ويقضي على وظائفهم. إلا أن الأيام أثبتت خطأ ظنهم هذا.

 

يبدو أننا فهمنا في النهاية كيف أن تطبيق الذكاء الاصطناعي سيؤثر على أسلوب العمل لدينا، حتى مرحلة التقدم التالية على الأقل. ولعل الدرس المُستفاد من تلك التجربة حتى الآن هو مدى أهمية الذكاء الاصطناعي كعامل مساعد في العمل وآلية للتعامل مع المسؤوليات مثل معالجة جميع أنواع البيانات التي جرى جمعها والكشف عن أي خللٍ بها، إلا أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل البشر بشكل تام وقد لا يحدث ذلك في الواقع أبدًا.

 

ومع ذلك فإن الصورة التي قد يبدو عليها المشهد فيما بعد هو عملية الدمج بين الذكاء الاصطناعي والعامل البشري بطرق متنوعة تسمح بتحسين وتنويع القنوات الرقمية، ما يمنح المزيد من خيارات العروض لكل فئات العملاء، بغض النظر عما إذا كانوا عملاء للبيع بالتجزئة أو عملاء أثرياء أو عملاء ذوي قيم عالية (HNWI). كما يمنح أفكارًا أفضل بشأن الاستثمارات القائمة حاليًا بالفعل والمحتملة على حدٍّ سواء، كما يسمح بالأتمتة والتخصيص في الوقت نفسه، ما يوفر خيارات تخصيص أفضل للعملاء. لكن إلى أي حدٍّ تختلف إدارة الثروة القائمة على الذكاء الاصطناعي عما نحن معتادون عليه بالضبط؟

 

نموذج روبو الاستشاري (Robo Advisory Model)

 

يساعد تطبيق الذكاء الاصطناعي القائم على تعلُّم الآلة (ML) في دمج مصادر بيانات متعددة يمكن استخدامها في صُنع قرارات استثمار مدروسة وتقديم تصنيفات للمنتجات لتحقيق أقصى مستوى ممكن لتحسين محفظة الاستثمار. مثلًا: يمكن تلخيص التقارير المالية تلقائيًّا وعرضها بسهولة باستخدام لوحات معلومات البيانات ما يمنحك أفكارًا مميزة قابلة للتنفيذ.

 

هذا بالضبط ما يفتقر إليه نموذج روبو الاستشاري التقليدي. أدَّى إدخاله إلى تقديم أفضل النتائج بناءً على إدارة كميات هائلة من البيانات التي من دونها كانت ستتأخر العملية جدًّا. هذا بالطبع شيء ليس بإمكان الصناعة أن توفره. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي: حيث انتعشت الخوارزميات القائمة على تعلُّم الآلة في نموذج روبو بسبب طبيعة هذا الذكاء الدائم التقدم. الأمر الأفضل هو أن عملية تعلُّم الآلة تتحسن بنشاط في كل مرة يتم فيها تغذيتها بالبيانات. إنها ليست جيدة في فرز الكميات الكبيرة من البيانات في وقت مناسب فحسب، بل إنها تتحسن وتتطور في كل مرة تؤدي هذه المهمة. يمكن تطوير نوع نموذج الذكاء الاصطناعي هذا في معالجة البيانات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) بنُسُق منظمة وغير منظمة وتضمين تجربة الاستثمار المُستدام للعملاء.

 

مواضيع مشابهة

علاوة على ذلك، يمكن أن يتعلم الذكاء الاصطناعي تفضيلات العملاء الشخصية وصنع القرار وإنشاء ملف شخصي بناءً على الاستثمار السابق لمنحهم تجربة فائقة التخصيص. ولهذا يمكنه تقديم اقتراحات مناسبة للعملاء بناءً على حدود تحمُّل المخاطر المحددة لديهم مثلًا. وبإمكان الذكاء الاصطناعي بفضل قدراته التحليلية أن يكشف حالات التفاوت والمخالفات ما يمنح الأمان للعملاء.

 

مزايا النموذج الهجين

 

بصرف النظر عن مزايا نموذج روبو الاستشاري القائم على الذكاء الاصطناعي (AI Robo Advisory model)، إلا أن بعض العملاء يفضلون الاتجاه إلى المتخصصين من البشر ومستوى الأفكار التي يمكنهم عرضها. لا يزال البعض يختار إدارة الثروة (WM) بمساعدة المصفوفة العشوائية (RM) البحتة وهذا ممكن فهمه. لكن ثمة طريقة ثالثة تستفيد من جميع مزايا النماذج القائمة على روبو (Robo) والمصفوفة العشوائية (RM). الأمر الذي نطلق عليه اسم النموذج الاستشاري الهجين الذي يجمع بين خوارزميات الذكاء الاصطناعي واللمسة البشرية.

 

يُعرب أكثر من نصف عملاء الشرق الأوسط عن حاجتهم إلى نموذج هجين ويختارونه بصفته الخيار الأمثل المُتاح. يتحقق التوازن الصحيح من خلال دمج قدرات الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات بيانات هائلة بنهج شخصي أكثر والمهارات التحليلية للمتخصصين من البشر. يسمح كل هذا ببلوغ أعلى مستويات الكفاءة وصنع القرار ومراقبة مؤشرات قياس الأداء الرئيسية.

 

خلاصة القول

 

كما يحدث في جميع المجالات الأخرى بخلاف الجوانب المالية، يؤثر الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة على جوانب متنوعة من إدارة الثروة ويغيران فيها بشكل هائل. أيًّا كان النموذج المُفضل للعميل، فالحقيقة هي أن هناك طلبًا كبيرًا على تطبيق هذه الأمور في أنشطة الأعمال التجارية اليومية. إنهم يعيدون تنظيم كيفية إجراء الأعمال التجارية وإعادة تطبيق القوة العاملة من المتخصصين في عمليات العمل المتنوعة. يقدم الذكاء الاصطناعي الكفاءة والأتمتة والأفكار الواسعة النطاق الضرورية في صنع القرار في وقتنا هذا. لهذا تحتاج الشركات إلى مواءمة آليات العمليات؛ لأن الفشل في دمج الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة في إدارة الثروة قد يؤدي إلى الفشل السريع في اللحاق بركب المنافسة. يمكن عند توظيفها بشكل صحيح أن تزيد العائدات على الجميع حتى لو لم يكن هذا واضحًا في البداية.

 

بقلم:

نيها جول (Neha Goel)، مديرة المبيعات، Comarch

شارك المحتوى |
close icon