سيارتك ليست ملكك! هل تتحول السيارات من منتجات إلى خدمات باشتراكات؟

هناك ظاهرة مثيرة للاهتمام لتحول أنماط العمل في القرن الحادي والعشرين: كل شيء يتحول إلى اشتراك من نوع ما. الآن بات قلة هم من يشترون المسلسلات أو الموسيقى أو الأفلام أو سواها، كما بات شراء البنية التحتية بحد ذاته أمراً بعيداً عن معظم الشركات. والسبب هنا هو أننا نجعل كل ما يخطر بالبال اشتراكاً وخدمة من نوع ما. واليوم يبدو أن هناك اتجاهاً متزايداً ومقلقاً نحو تحويل السيارات إلى خدمة.

 

بالطبع لا تعد السيارات أول المنتجات التقنية التي تحاول الشركات تحويلها إلى خدمة، بل سبق ذلك محاولات تحويل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وسواها لخدمات. لكن وبينما يبدل الكثير من المستخدمين هواتفهم كل عام أو عامين، فمن الشائع أن تبقى السيارات لدى الأشخاص لعقود طويلة مما يضع شركات السيارات أمام مشكلة إشباع السوق. واليوم يبدو أن فكرة التحويل إلى خدمة هي محاولة لحل تناقص العائدات والأرباح لشركات السيارات.

 

هنا سنتناول سبب تفضيل الشركات لهذا التحول في تقديم المنتجات وتحويلها إلى خدمات، كما سنذكر موقف السائقين المتاح. وبشكل أهم ربما، سنتناول عدة محاولات واضحة لتحويل السيارات إلى خدمات بدلاً من منتجات وإنهاء فكرة أن من يشتري السيارة “يمتلكها بالكامل” حقاً.

 

الخدمات أكثر ربحاً من المنتجات

 

سيارتك ليست ملكك! هل تتحول السيارات من منتجات إلى خدمات باشتراكات؟

 

عادة ما تسعى الشركات من أي نوع كانت إلى توسيع عملها وتحقيق النمو الذي يعد أحد أهم العوامل المؤثرة على سعر سهمها ورضا مالكيها. لكن وبينما يكون النمو أمراً سهلاً في مجال جديد وثوري أو عند تقديم تغيير كبير على مجال ثابت وكبير، فالأمر معقد للغاية في المجالات القديمة المشبعة نسبياً. ولا شك بأن مجال السيارات هو واحد من الأشد إشباعاً اليوم مع كونها شائعة تجارياً منذ أكثر من قرن من الزمن.

 

في العقدين الأخيرين عانت شركات السيارات بوضوح لتحقيق النمو المطلوب منها من مجالس الإدارة والمستثمرين. حيث أن مبيعات السيارات الإجمالية لا تنمو، كما كانت السيارات منتجات ثابتة إلى حد بعيد وتصمد طويلاً بحيث أن الحاجة لاستبدالها صغيرة على المدى القريب والمتوسط. وبإضافة المنافسة الشديدة في الأسواق الناشئة وصعود شركات السيارات الصينية والهندية فقد عانت عمالقة المجال في ألمانيا واليابان والولايات المتحدة من ضعف النمو وحتى التقلص أحياناً.

 

بالمقابل، يمكن التخلص من مشاكل الشركات إلى حد بعيد عندما تعتمد على الخدمات. حيث لن يكون هناك موجات من الشراء الشديد أو تعثر الأسواق، بل ستكون العائدات موزعة ومستقرة وقابلة للتوقع مع الوقت حتى. هذا النمط من العمل يمنح استقراراً أكبر للشركات ويجعل تأثرها بتراجع المبيعات أقل بكثير.

 

مواضيع مشابهة

بالنسبة للسائقين، هناك ناحيتان مختلفتان للأمر في الواقع. حيث أن تحويل المنتجات إلى خدمات من الممكن أن تسهل الحصول عليها بشكل مؤقت فقط وعند الحاجة، كما يمكن أن تجعل الوصول إلى الميزات أقرب للكثيرين كونهم لن يحتاجوا لدفع المال مسبقاً. لكن وبالمقابل يبدو أن هناك أزمة حول أن العديد من الشركات تحاول تطبيق الأمر ببيع المنتج ومن ثم طلب اشتراك دوري للاستمرار باستخدامه. وبالنسبة لمعظم العملاء يعد هذا السلوك سيئاً للغاية وفي بعض الحالات سبباً مقنعاً للانتقال إلى سيارات من شركة أخرى.

 

كيف تتحول السيارات اليوم من منتجات إلى خدمات؟

 

سيارتك ليست ملكك! هل تتحول السيارات من منتجات إلى خدمات باشتراكات؟

 

لعل واحدة من أسوأ التغييرات التي نشهدها في عالم المركبات اليوم هو محاربة حق الإصلاح من قبل الشركات الكبرى. حيث أن الكثير من السيارات الكهربائية الجديدة تأتي مع تصاميم معادية للإصلاح خارج الوكالة ودون كتالوجات تتيح الصيانة الشخصية، وحتى أن بعض الشركات ترفض صيانة السيارات الكهربائية في حال تم إصلاحها لدى وكالات أو جهات مستقلة. والسبب هنا بسيط للغاية: صيانة السيارات مجال شديد الربحية ومن مصلحة المصنعين أن يحتكروه.

 

بالإضافة لمشاكل حق الإصلاح والجدل الكبير حوله اليوم، هناك عدة نواحٍ أخرى تحاول شركات السيارات استغلالها. وواحدة من أغربها ربما هي ما استكشفته BMW عام 2020 من حيث طرح ميزة تسخين المقاعد والمقود كاشتراك دوري بدلاً من ميزة مضافة للسيارة. في الواقع كانت الشركة قد فكرت بحصر ميزة Apple CarPlay باشتراك شهري قبلها في عام 2019 قبل التراجع عن ذلك، كما أنها تتيح الاشتراك بميزة الرفع التلقائي للضوء الأمامي (تضع الضوء في الوضعية المنخفضة عند رصد سيارة في الاتجاه المعاكس).

 

في ديسمير من عام 2021 تسربت تقارير عن نية تويوتا قفل ميزة التشغيل البعيد للسيارة (باستخدام المفتاح ولو كنت خارج السيارة) خلف اشتراك مالي شهري. وبعد الكثير من الاعتراض والجدل لدى مالكي سيارات تويوتا والسائقين عموماً، قالت الشركة أنها “تراجع الخطوة وتعيد تقييمها.” لكن الواقع هو أن هذا المصير قادم دون شك.

 

بالنظر إلى التطورات الحالية، فالأرجح أن تكون تقنيات القيادة الذاتية والتحكم بالرحلات محورية لمخططات الشركات للتحول نحو الخدمات. حيث أن ذلك سيعني إضافة ميزة جديدة مدفوعة باشتراك بدلاً من الاستراتيجية الحالية التي تتضمن تحويل ميزة موجودة أصلاً إلى ميزة تحتاج الاشتراك. ومع الضجة الكبيرة المحيطة بتقنيات القيادة الذاتية، وكون بعض الحلول قد تتضمن بنية تحتية خارجية، سيكون الدفع مقابل هذه الميزة مناسباً أكثر بنظر السائقين.

 

أضف تحديثات النظام والميزات البرمجية التي يمكن للشركات إضافتها بشكل رقمي تماماً دون عتاد إضافي، وسيكون هناك الكثير من الخدمات المتاحة كاشتراكات دورية للسيارات وستتزايد بشكل واضح مع السنوات التالية. وبالنظر إلى تقديرات McKinsey لأن يصل حجم مجال اتصال السيارات إلى ما بين 450 و750 مليار دولار بحلول عام 2030، سيكون هناك الكثير من الحوافز لشركات السيارات الحالية لاستغلال السوق وتحقيق النمو المطلوب.

شارك المحتوى |
close icon