لماذا تعمل شركات تقنية عملاقة على مشاريع مفتوحة المصدر؟ وبماذا تستفيد من ذلك؟

بالعودة إلى التسعينيات، كان عالم التقنية والحوسبة مختلفاً تماماً عن اليوم، لكن واحدة من نواحي الاختلاف المثيرة للاهتمام هي الموقف العام من البرمجيات. حيث كانت الشركات حينها دفاعية بشكل كبير تجاه برمجياتها وتقنياتها، وتعتبر أي منافس يستخدم هذه التقنيات تهديداً حقيقياً يجب إنهاؤه بالاعتماد على القضاء بسرعة.

مواضيع مشابهة

اليوم لا تزال العديد من الشركات تتبع هذا الأسلوب شديد الانغلاق في الواقع، وبالأخص شركة ابل، لكن العديد من الشركات الأخرى غيرت موقفها من الأمر، وبشكل تدريجي باتت البرمجيات مفتوحة المصدر أكثر شيوعاً وحتى بعض من أكبر شركات الماضي المحتكرة مثل مايكروسوفت تعمل اليوم على مشاريع مفتوحة المصدر وتدفع المليارات للحصول على منصة Git التي تستضيف هذا النوع من البرمجيات.

لكن ما الذي تغير؟ وبماذا تستفيد شركات عملاقة مثل مايكروسوفت وفيس بوك وجوجل من كون العديد من برمجياتها قابلة للتعديل والتطوير والاستخدام من قبل عدد هائل من المطورين حول العالم؟

التطوير المستمر دون توقف

لماذا تعمل شركات تقنية عملاقة على مشاريع مفتوحة المصدر؟ وبماذا تستفيد من ذلك؟

عندما تمتلك الشركات منتجات محصورة ضمنها، فهي المكان الوحيد لتطوير هذه البرمجيات والارتقاء بها إلى المستوى التالي، وبوجود بيئة شديدة التنافسية فالبقاء على نفس مستوى المنافسين والتفوق عليهم ليست مهمة سهلة أو حتى ممكنة دائماً. لكن المصدر المفتوح حل مثالي للأمر في الواقع، حيث يمكن للجميع إضافة تعديلاتهم الخاصة على الكود المصدري لتحسينه وحل مشاكله وإضافة ميزات إليه، وبالتالي يمكن للشركة الاستفادة من هذه الإضافات كون أي تعديل على برمجية مفتوحة المصدر يكون بدوره مفتوح المصدر.

بالاعتماد على هذه الطريقة تستطيع الشركات بناء امبراطوريات برمجية حقيقية، وربما أفضل مثالين لذلك يأتيان من جوجل، حيث قامت الشركة بتقديم متصفح “كروميوم” كإصدار مفتوح المصدر للجميع لتطويره والعمل عليه، وتستفيد من الميزات الجديدة والمبتكرة لترويج متصفحها الخاص كروم. وحتى بوجود منافسين يعتمدون نفس الأصل مفتوح المصدر مثل متصفحي Opera وEdge، فشركة جوجل لا تزال المستفيد الأكبر من الأمر مع متصفح هو الأوسع انتشاراً في العالم.

اكتشاف الثغرات الأمنية بشكل أكثر فعالية

لماذا تعمل شركات تقنية عملاقة على مشاريع مفتوحة المصدر؟ وبماذا تستفيد من ذلك؟

عندما تعمل الشركات على تطوير أنظمتها بنفسها، فهي الوحيدة التي تنظر إلى الكود المصدري وما يتضمنه، وبالتالي هناك احتمال أكبر لوجود الثغرات والمشاكل التي يمكن أن يستخدمها المخترقون للهجوم لاحقاً. بالمقابل تستفيد البرمجيات مفتوحة المصدر من كون كلما مصدرها متاحاً للرؤية والتعديل من قبل الآخرين، وعند وجود ثغرة أو مشكلة أمنية فاحتمال ملاحظتها من قبل مجتمع المطورين وتصحيحها كبير كفاية ليقلل احتمال استغلالها من المخترقين.

هذا الأمر لا يعني أن أي برمجية مفتوحة المصدر أكثر أماناً من أي برمجية منافسة مغلقة المصدر، لكنه يقدم مقاربة مختلفة للأمن الإلكتروني ويبدو أن العديد من الشركات اليوم تلاحظ الأهمية الكبيرة الممكنة لهذا النوع من المقاربات الأكثر تنوعاً.

بناء مجتمع مطورين فعال

لماذا تعمل شركات تقنية عملاقة على مشاريع مفتوحة المصدر؟ وبماذا تستفيد من ذلك؟

بالنسبة لبعض الشركات، فالحصول على مجتمع فعال من المطورين متاح دائماً لأن هذه الشركات تمتلك عدداً كبيراً من المستخدمين أصلاً، والكثير من المطورين يريدون أن يطوروا تطبيقات لهذه القاعدة الكبيرة من المستخدمين. لكن الأمور ليست كذلك دائماً، والعديد من الشركات تلاقي صعوبة في إطلاق منصاتها وجذب المطورين إليها لمختلف الأسباب، ولعل فقر المطورين الذي عانت منه مايكروسوفت على أنظمتها للهواتف حالة مميزة من ذلك.

جعل المشاريع مفتوحة المصدر لا يعني أن مجتمع المطورين سيأتي حالاً بعدها، حيث أن هناك تقنيات مفتوحة المصدر تعاني من مجتمعات مطورين صغيرة ومتقلصة، لكن عادة ما يسمح كون التقنية مفتوحة المصدر بوجود مجتمعات مطورين أكبر وأكثر فعالية، فالكثير من المطورين يقدرون التقنيات مفتوحة المصدر بشكل كبير وينجذبون أكثر نحوها.


مواضيع قد تهمك:


سمعة أفضل بشكل عام

حتى باستثناء المطورين والتركيز على المستخدمين فحسب، فالسمعة الحسنة مرتبطة إلى حد بعيد بالبرمجيات مفتوحة المصدر، حيث أن الشركات التي تسهم في المشاريع مفتوحة المصدر تمتلك صورة عامة إيجابية على أنها ودودة ومهتمة بالمستخدمين ولا تحاول الاحتكار، ولهذا السبب لطالما امتلكت جوجل مثلاً الكثير من المحبين المهووسين بها والذين يرونها كشركة عظيمة جداً على الرغم من عيوبها.

بالمقابل تعاني الشركات المعادية للمصدر المفتوح من التأثير المعاكس، وأبسط مثال هو أن شركة ابل تعد احتكارية وسيئة جداً بنظر الكثيرين اليوم، وكذلك كان الأمر بالنسبة لمايكروسوفت في التسعينيات ومطلع الألفية، والسبب المشترك للحالتين هنا هو الانغلاق على الذات ومحاربة موجة البرمجيات مفتوحة المصدر، وبينما لا تزال ابل متمسكة بعداوتها هذه، فقد غيرت مايكروسوفت موقفها على ما يبدو، ونتيجة هذا التغيير الابتعاد عن العدائية والحماية الزائدة تحسن الموقف العام حيال مايكروسوفت بشكل هائل وتحولت من الشيطان التقني بنظر الكثيريم في الماضي إلى منافسة شريفة ولاعب أساسي في العالم التقني اليوم.

شارك المحتوى |
close icon