ما خطة المملكة العربية السعودية لاستكشاف الفضاء؟

لم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة عن المستقبل، فالبنسبة لعلم الفضاء شاركت المملكة في رحلة الفضاء “ديسكفري” عام 1985، وكانت أول دولة عربية تُشارك في هذه الرحلة، وفي هذا الوقت، كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد شهد انطلاقها، وبالتالي انطلقت المملكة في رحلة علوم وبحوث الفضاء، وتطوير أدائها العلمي بما يتماشى مع برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، كأحد برامج رؤية المملكة 2030.

 

نتج عن اهتمام الملك سلمان بمشروع قطاع الفضاء في المملكة تحقيق العديد من الإنجازات العلمية على رأسها انضمام الأمير سلطان بن سلمان على متن مكوك “ديسكفري” كأول رائد فضاء عربي.

 

تابع خادم الحرمين الشريفين مشروع المملكة في قطاع الفضاء منذ أن ساهم 30 عالمًا سعوديًا في دراسة رحلة مكوك الفضاء الأمريكي “ديسكفري” واستمر هذا الاهتمام مع إطلاق رؤية 2030 حتى أمر الملك سلمان بإنشاء هيئة الفضاء السعودية برئاسة الأمير سلطان بن سلمان لتكون السلطة الوطنية الوحيدة المسؤولة عن تطوير القطاع وتوجيه الجهود بطريقة تعطي المملكة القيادة، والمكانة الدولية التي تستحقها.

 

لعب “المركز الوطني السعودي للعلوم والتكنولوجيا (SANCST)” منذ إنشائه في عام 1977 دورًا رئيسيًا في إجراء البحوث العلمية التطبيقية لخدمة التنمية والتقدم، وفي عام 1985، صدر مرسوم ملكي بتغيير اسم SANCST لتصبح مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية KACST، وساهمت هذه المدينة في النهوض بهذا القطاع الحيوي، بما في ذلك خطة لنقل وتوطين تكنولوجيا الأقمار الصناعية في عام 1988، عندما انضمت مجموعة كبيرة من المتخصصين في مختلف المجالات والإدارات الهندسية إلى المركز الوطني لتكنولوجيا الأقمار الصناعية، بما في ذلك الميكانيكا والكهرباء والإلكترونيات والتحكم والضوئيات والبرمجيات وغيرها.

 

تمكنت المملكة من إطلاق 16 قمرًا صناعياً سعودياً إلى الفضاء تحت إشراف مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بين عامي 2000-2019، وكان آخرها قمر الاتصالات السعودية “SGS1″، والذي انطلق في 6 فبراير 2019 ، بتوقيع  سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

 

يخدم القمر الصناعي السعودي (SGS1) قطاع الاتصالات الفضائية الحديثة المتعددة، والتي تشمل اتصالات النطاق العريض والاتصالات العسكرية الآمنة، كما يوفر الاتصالات إلى المناطق شبه النائية والمنكوبة لاستخدامها في مختلف مجالات التنمية المستدامة، وسيتم تشغيل القمر الصناعي وإدارته من خلال محطات تحكم أرضية متطورة في المملكة.

 

يتم تصنيع الأقمار الصناعية السعودية كأجزاء هيكلية في الورشة الميكانيكية لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والتي تعد الآن جزءًا من مركز الصناعة الرابع، حيث يوجد فريق خاص في معهد أبحاث الفضاء والطيران لإنتاج اللوحات الإلكترونية المطلوبة لتحسين تشغيل الأقمار الصناعية في الفضاء والتي تم تصميمها من قبل مهندسين متخصصين في المركز حسب المتطلبات وفقًا للمعايير الدولية.

 

تمتلك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بنية تحتية لجمع واختبار الأقمار الصناعية ومعدات الاختبار للظروف البيئية الخاصة التي تحاكي الظروف التي يُتوقع أن تتعرض لها الأقمار الصناعية في الفضاء أو أثناء إرسالها بواسطة الصواريخ إلى المدار وتتضمن عوامل الاهتزاز وتقلبات درجات الحرارة، وشدة الإشعاع الشمسي الموجه إلى مدارات الفضاء.

 

تشمل مهام المهندسين السعوديين المسؤولين عن صناعة الأقمار الصناعية تصميم وبناء واختبار أنظمة الأقمار الصناعية وفقًا للمعايير الدولية مثل ECSS و IPC، واكتسب هؤلاء المهندسون السعوديون خبرة كبيرة في هذا المجال من خلال إجراء مجموعة من مشاريع البحث والتطوير في تقنيات الأقمار الصناعية المختلفة وتغطي خبراتهم المكتسبة مجالات إدارة مشاريع الأقمار الصناعية وعمليات التصميم والاختبار وعمليات التحقق والمحاكاة وعمليات معالجة الصور. 

 

عززت المملكة اهتمامها بقطاع الفضاء من خلال التعاون مع الهيئات العلمية الدولية، حيث نفذت المدينة تجارب علمية في الفضاء بالتعاون مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية “ناسا” وجامعة “ستانفورد” على متن “سعودي سات 4” بالإضافة إلى مشاركتها في مهمة استكشاف القمر “Chang’e 4″، بالتعاون مع وكالة الفضاء الصينية عام 201 ، في مهمة نادرة لاستكشاف الجانب البعيد من القمر.

 

قدرت دراسة أجراها بنك “مورغان ستانلي” أن “اقتصاد الفضاء” سيتجاوز تريليون دولار في عام 2040 من خلال التركيز على الإيرادات الأساسية التي ستتحقق من عائدات خدمات الأقمار الصناعية والصواريخ. 

 

وأوضحت الدراسة أن هناك اتجاهاً نحو تطوير اقتصاد صناعة الفضاء حيث توجد عدة مصادر تقيس حجم هذا الاقتصاد منها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) التي توقعت عوائد استثمارية تتراوح بين 280 دولاراً أمريكياً و300 مليار، وشركة Euroconsult للأبحاث التي توقعت أن تصل عائدات الاستثمار إلى 360 مليار دولار.

 

ما خطة المملكة العربية السعودية لاستكشاف الفضاء؟

 

مواضيع مشابهة

وبحسب ما قاله الأمير سلطان بن سلمان في الاجتماع الأول لـ “قادة اقتصاد الفضاء 20” ضمن برنامج المؤتمرات الدولية التي عقدت بالتوازي مع رئاسة المملكة لمجموعة العشرين العام الماضي، وصل حجم اقتصاد الفضاء في العالم إلى نحو 400 مليار دولار في عام 2019، تمثل منها دول مجموعة العشرين 92 %، وأشار الأمير سلطان إلى أنه من المتوقع أن يصل نمو اقتصاد الفضاء إلى 1.1 تريليون دولار في عام 2040 و 2.7 تريليون دولار بحلول عام 2050.

 

في نفس السياق، أكد ولي العهد السعودي في مقابلة أجريت معه مؤخرًا أن تنويع إيرادات المملكة هو أمر مهم وحيوي يعمل عليه صندوق الاستثمارات العامة من خلال دعم قطاعات جديدة، بما في ذلك الفضاء، والنقل، وما إلى ذلك، وسيكون عاملاً تمكينياً أساسياً للعديد من القطاعات في المستقبل القريب.

 

وأشار سمو ولي العهد إلى أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والجهات المتخصصة يعمل على اعتماد استراتيجية المملكة الفضائية للسنوات العشر القادمة وتكليف هيئة الفضاء بتنفيذها، وهي استراتيجية عميقة تستوعب طموح المملكة وشغف المواطن السعودي بالمستقبل، وتنمية رأس المال البشري في علوم الفضاء ومختلف مجالاته.

 

أكدت المملكة في اجتماع الأمم المتحدة الذي عقد في نيويورك العام الماضي لمناقشة (لجنة القضايا السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار)، أنها تنظر بأهمية كبيرة في ضرورة استخدام قطاع الفضاء للأغراض العلمية والسلمية.

 

في إطار الإنجازات السعودية في مجال الفضاء، أنشأت المملكة ممثلة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية “مركز التميز للفضاء والأرض” بالتعاون مع معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) ومركز التميز لأبحاث الفضاء، والطيران المشترك مع جامعة “ستانفورد” في الولايات المتحدة، كما عززت مستوى التعليم في علوم الفضاء والطيران والبرامج التعليمية وتطوير الكوادر الوطنية.

 

ووقعت المملكة العربية السعودية عدة اتفاقيات في مجال تكنولوجيا الفضاء الخارجي وتطبيقاته مع عدة دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا والهند وكازاخستان، وتماشياً مع التطورات المتلاحقة في صناعة الفضاء، أنشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية محطات استقبال للصور والأقمار الصناعية لتغطية 2.7 مليون كيلومتر مربع من جنوب روسيا إلى جنوب الصومال، ومن غرب باكستان إلى شرق ليبيا.

 

دعت المملكة ممثلة في هيئة الفضاء السعودية، إلى الاجتماع الأول لـ “قادة اقتصاد الفضاء العشرين”، في إطار رئاستها لمجموعة العشرين خلال عام 2020 ضمن برنامج المؤتمرات الدولية، بهدف تنسيق الجهود من أجل تحقيق السلام، واستخدام الفضاء في أكبر 20 دولة اقتصادية في العالم، ودعم الجهود الحالية والمستقبلية للدول الأعضاء لرفع مستوى الاستثمار العلمي والاقتصادي في قطاع الفضاء ورفع قدرته التنافسية واستدامة أنشطته.

 

وتبذل هيئة الفضاء السعودية جهوداً لدفع مسيرتها، حيث وافق مجلس الإدارة برئاسة الأمير سلطان بن سلمان في أبريل 2020 على دراسة إنشاء “شركة الفضاء السعودية” ولوائحها، وكذلك مشروع النظام الفضائي الذي أعدت بالتعاون مع المؤسسات الحكومية ذات الصلة بقطاع الفضاء.

 

وفي إطار اهتمام المملكة بتنمية الكوادر الوطنية الشابة والاستفادة من دور الخيال العلمي في تكملة المعرفة بحقائق الواقع عملت الهيئة السعودية للفضاء على تنظيم (برنامج أجيال الفضاء) هذا العام والذي يتعامل مع تنمية رأس المال البشري في قطاع الفضاء تماشياً مع أهداف رؤية 2030.

 

يساهم البرنامج في إنشاء قاعدة وطنية لرأس المال البشري في قطاع الفضاء، وتشجيع الاهتمام بالبحث العلمي والتعلم في مختلف مجالات الابتكار والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، إضافة إلى التعاون مع الهيئات الأكاديمية المتخصصة لتحقيق المزيد التقدم في البحث المتعلق بعلوم الفضاء وتطبيقاته وخلق بيئة تعليمية مزدهرة في المملكة من خلال خلق بيئة محفزة ومواتية لقطاع الفضاء ليكون منصة تنطلق منها مسارات اقتصادية وعلمية كبيرة بالتعاون مع كافة الشرائح في المجتمع.

 

ومن المتوقع أن توافق المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب على الاستراتيجية الوطنية للفضاء، والتي تتضمن مشاريع طموحة وواقعية تستحق مكانة المملكة المهمة وتعتمد على عوامل التمكين بما في ذلك إنشاء برنامج تمويل للمشاريع الناشئة والبحثية، والدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة أيضًا، كمحفز للابتكار وتأكيد على التزام المملكة بالاستثمار في هذا القطاع الاقتصادي الكبير.

 

اقرأ ايضًا: 

 

ما الذي يجعل من السعودية مكاناً مثالياً للاستثمار والشركات الناشئة؟

 

 

 

شارك المحتوى |
close icon