كيف تسبب بعض مستخدمي الإنترنت بخسائر بالمليارات للشركات الاستثمارية

في الأيام الأخيرة شهدت البورصة الأمريكية بعضاً من أغرب الأحداث في السنوات الأخيرة في الواقع، حيث ارتفعت أسهم عدة شركات تعاني بشدة في السنوات الأخيرة، ولم يكن الأمر ناتجاً عن اكتشاف جديد أو ربما تقارير سنوية مفائلة للمستثمرين، بل أن الاعتقاد الحالي هو أن مجموعة من مستخدمي الإنترنت هم المسؤولون عن هذه الأحداث الغريبة والتي يعتقد أنها تسببت بخسارة بضعة مليارات من الدولارات لعدة شركات استثمارية كبرى.

 

في هذا الموضوع سنحاول تفسير ما الذي حدث خلال الأيام الماضية أصلاً، وكيف تمكنت مجموعة من المستثمرين الصغار ضمن إحدى المجموعات الفرعية لموقع Reddit من رفع قيمة شركات كبرى عدة أضعاف والتسبب بضرر كبير للشركات الاستثمارية وجدل جديد حول التشريعات الناظمة لسوق الأسهم الأمريكية حتى.

 

من أين انطلق التنظيم أصلاً؟

 

بدأ الأمر من مجموعة فرعية (Subreddit) على موقع Reddit الشهير الذي يشكل واحداً من أكثر المواقع استخداماً اليوم، ومع أنه يشبه منصات التواصل الاجتماعي الحديثة ببعض الأمور، فهو أقرب لإصدار حديث من فكرة المنتديات التي كانت منتشرة مطلع الألفية.

 

بدأ الأمر عبر مجموعة من الدعابات و”الميمز” ضمن مجموعة باسم Wallstreetbets تعنى بمتابعة البورصات الأمريكية عموماُ، حيث لاحظ المستخدمون أن هناك طلباً كبيراً على الكون في وضع بيع أو Short Position (سنشرح معنى ذلك في الفقرة التالية) لأسهم عدة شركات كبرى وأهمها شركة GameStop التي تبيع الألعاب الإلكترونية وأجهزة الألعاب والمنتجات المتعلقة بالمجال في سلسلة من المتاجر الكبرى عبر الولايات المتحدة وكندا.

 

مع ملاحظة الوضع الاستثنائي لأسهم شركة GameStop، بدأ بعض المستخدمون بالدعوة لشراء أسهم الشركة بشكل مكثف. حيث كانت الغاية هي زيادة الطلب على أسهم الشركة بغرض رفع سعر أسهمها، وبدوره سيؤدي رفع سعر السهم إلى ضرر مالي كبير على الشركات الاستثمارية الموجودة في وضع بيع.

 

اقرأ أيضاً: الأثرياء يزدادون ثراءً: من جمع أكبر حجم من الثروة خلال عام 2020؟

 

ما هو وضع البيع (Short Position)

 

دون الخوض بالكثير من التفاصيل المالية وطريقة عمل البورصة، فوضع البيع باختصار هو أن المستثمر يقوم بالمراهنة على أن سهماً لشركة ما (أو أصلاً مالياً آخر) سينخفض ويخسر من قيمته مستقبلاً، وفي حال حصل ذلك يحقق المستثمر الربح من الأمر، فيما يؤدي ارتفاع سعر السهم أو الأصل إلى خسارة مالية للمستثمر.

 

تتم عملية وضع البيع عبر استعارة سهم أو مجموعة أسهم لشركة ما من محفظة استثمارية، ومن ثم القيام ببيع هذه الأسهم في الوقت الحالي. وفي حال سارت الأمور كما يجب يقوم المستثمر بإعادة شراء الأسهم من جديد وإعادتها إلى المحفظة الاستثمارية عند انقضاء العقد. هنا سيربح المستثمر فرق السعر في حال انخفض سعر السهم في حقاً، بينما سيخسر المال في حال حصل العكس وارتفع سعر السهم.

 

عموماً يعد وضع البيع حالة استثمارية مناسبة عندما يعتقد المستثمرون أن شركة ما تعاني بشدة وستنخفض أسهمها مع الوقت، وهذا ما جعل الطلب على وضع البيع لشركة GameStop استثنائياً، حيث أن الشركة تنحسر بشكل كبير منذ سنوات مع خسائر مالية واضحة ومستقبل قاتم نتيجة اتجاه مبيعات الألعاب إلى الإنترنت بدلاً من المتاجر الفيزيائية التقليدية التي هي أساس عمل الشركة.

 

اقرأ أيضاً: أبل في مقدمة أعلى العلامات التجارية قيمة متقدمة على Amazon وGoogle

 

كيف تسبب مستخدمو الإنترنت بخسارة المليارات؟

كانت الفكرة الأساسية من شراء أسهم GameStop هي من حيث المبدأ “الانتقام من الشركات الاستثمارية الكبرى” كونها عادة ما تتحكم بالسوق إلى حد بعيد وهناك العديد من الحالات التي تلاعبت فيها بالبورصة بشكل واضح. لذا كان المخطط منذ البداية هو التسبب بأكبر قدر ممكن من الخسائر.

 

مواضيع مشابهة

عندما قام العديد من المستخدمين بشراء أسهم في شركة GameStop، كان الطبيعي هو أن سعر أسهمها بدأ بالارتفاع بشكل واضح، وبالنتيجة اتجه بعض المستثمرين الكبار للتخلي عن وضع البيع لتجنب تراكم الخسارة، وذلك عبر إعادة شراء أسهم الشركة من السوق، وبدوره تسبب الأمر بارتفاع إضافي لسعر أسهم الشركة، وهكذا تكرر الأمر مع المزيد من المستثمرين ليزداد شدة مع كل موجة جديدة.

 

بالمحصلة خسرت الشركات الاستثمارية مبالغ هائلة وصلت حتى 6 مليارات دولار وفق بعض التقديرات، وكان الأمر ناتجاً إلى حد بعيد عن الاعتماد على الخوارزميات. حيث تقوم العديد من الشركات الاستثمارية بالاعتماد على برمجيات تقوم بالبيع والشراء بشكل تلقائي عند الوصول لحد معين من الخسائر التي لا يجب تجاوزها، وبالتالي تم إعادة شراء كم كبير من أسهم GameStop بأسعار أعلى من الواقعية ومن هنا أتت الخسارة.

 

بالإضافة إلى GameStop التي وصل سعر سهمها حتى 492 دولاراً بأقصى ارتفاعه (مقابل أقل من 20 دولاراً بداية العام)، اتجه مستخدمو Reddit إلى عدة خيارات أخرى مثل شركة AMC المختصة بالإنتاج السينمائي والتي تمتلك سلسة من دور السينما الكبرى وتعاني خسائر هائلة نتيجة كوفيد-19، وكذلك بلاكبيري التي تعاني بشدة بعد فشل محاولاتها المتتالية لاستعادة مكانها في سوق الهواتف الذكية.

 

اقرأ أيضاً: من إيلون ماسك حتى جيف بيزوس، من أين جمع أثرياء التقنية أموالهم؟

 

النتائج والجدل حول الأمر

 

وفق بعض التقارير، كان بعض مستخدمي مجموعة Wallstreetbet قد راهنوا على ارتفاع سعر سهم شركة GameStop منذ عام 2019 في الواقع، حيث أن أحد المستخدمين استثمر كامل مدخراته تقريباً واضعاً أكثر من 50 ألف دولار في عقود الخيارات لأسهم الشركة، والآن باتت خياراته بقيمة أكثر من 20 مليون دولار أمريكي، حول 4 ملايين منها إلى مال مسال محققاً ربحاً هائلاً.

 

 

بالمقابل كانت الخسائر الكبير لعقود وضع البيع مشكلة للشركات الاستثمارية، ولمنصات الوساطة كذلك في الواقع، وبالنتيجة قامت شركة التداول الشهيرة Robinhood إلى إيقاف تداول عدة أسهم منها أسهم GameStop وAMC. وبعد صدور القرار كان هناك ردة فعل سلبية هائلة، حيث اتهم العديد من المستخدمين المنصة بأنها تعمل لحماية مصالح الشركات الاستثمارية بقيامها بهذه الخطوة.

 

على صعيد آخر، هناك الكثير من الجدل الآن حول الوضع القانوني لما حصل، وإن كان التلاعب المقصود والواضح بالبورصة بهذا الشكل جريمة أصلاً. حالياً يبدو أنه لا توجد قواعد أو قوانين ضد ما فعله مستخدمو الإنترنت، لكن هناك الكثير من الشكوك حول قانونية ما فعله تطبيق Robinhood بمنعه تداول الأسهم، حيث يرى الكثيرون أن ذلك غير قانوني وحتى أنهم أطلقوا دعوى قضائية جماعية ضد التطبيق.

 

 

المثير للاهتمام هو أن العملية ككل قد حظيت بدعم كبير من العديد من الشخصيات الكبرى في السياسة وحتى عالم الأعمال، حيث أبدى سياسيون أمريكيون يمينيون ويساريون آرائهم المتوافقة (وهو أمر نادر جداً) برفض ما فعله تطبيق Robinhood، وحتى أن الملياردير الشهير إيلون ماسك قد أظهر دعمه لمستهخدمي الإنترنت الذين بدأوا الحركة ككل.

شارك المحتوى |
close icon